بقلم المرحوم وصفي هوارة

لقد أصبحت لقمة الرحمة في هذه الأيام المصيبة الثانية لأهل المرحوم. يتألم البعض من دفع فواتيرها وتكاليفها اكثر من ألمهم وحزنهم على المرحوم.. حيث لم تبقي معهم المستشفيات والصيدليات والأطباء إلا ما خلفه المرحوم

مدّ لي أحد أبناء المرحوم يده طالبا ستتة آلاف دولار وقال: ليس معي أن أدفع تكاليف لقمة الرحمة فقلت له: بإمكانك إلغاء هذه اللقمة الباهظة الثمن فقال: إنني مستعد أن أبيع ولدا من أولادي وأدفع لهذه اللقمة وأغلق أفواه المؤمنين بهذه اللقمة لكي لا يمسوني بسوء أو يسيئوا للمرحوم... واقتنعت أخيرا أنه لا يمكن للفقير أن يبادر بإلغاء هذه اللقمة نطراً لعزة نفسه وكبريائه
لذا توجب على أحد الأغنياء الجريئين أن يقوم على هذه الخطوة الجريئه ويقوم بهذا الإنقلاب السلمي ويرى كثرة مؤيديه. وقد ترحموا على مرحومه أكثر من أولئك الذين عملوا من لقمة الرحمة مسخرة ومهزلة يتسلون بها
تناقشت مع عشرة أشخاص حول هذا الموضوع ولدقة الحديث فقد عملت استفتاء لأرى من يعارض لقمة الرحمة ومن يؤيدها فكان المعارضون لها تسعة لمؤيد واحد. وعندها سألته (أي مؤيدها) ماهي وجهة نطرك بالنسبة للقمة الرحمة؟ فأجاب: إنني أحب الأكل الطيب ولا أرى هذه الوليمة الفخمة في بيتي ولا من أحد يدعوني للولائم إلا أهل المرحوم.. فلماذا ستقطع برزقي
ولا ألومه بذلك فلقد صار بعض الشبه بين ولائم الأعراس وولائم الأحزان من حيث تنوع الأكل والمشروب ولم يبق إلا أن نقيم الموسيقى والطرب على لقمة المرحوم
كانت لقمة الرحمة في عهد الآباء والأجداد ضرورية بعض الشيء وخصوصاُ في القرى البعيدة عن المطاعم والمدينة وكان المعزون يتوافدون من القرى المجاورة ليشاركوا في مراسيم الأحزان فكان لزاماً على أهل المرحوم بإطعام وإكرام أولئك الوافدين الذين تكبدوا مشاق السفر
أما في عهدنا هذا فلا أرى لزوماً للتقيد بهذه العادات البالية... أنا لا أدعو للثورة على عادات الآباء والأجداد بل أدعو لأخذ ما يناسب وترك ما هو غير مناسب
كثير من الناس لا يأكلون من لقمة الرحمة لأنهم يتصورونها وقد طبخت بدموع الحزن والأسى وينتابهم شعور وهم يأكلونها وكأنهم يأكلون من لحم المرحوم
فما هو شعوركم أيها الناس وما هي أحاسيسكم وأنتم في تلك الوليمة وعلى هذه المائدة السعيدة وقد ملأتم صحونكم ومشروبكم بيدكم وكأنكم في عرس ولم تمر ساعة واحدة على دفن فقيدكم الغالي... هل خلت بيوتكم من الطعام؟ هل خفتم الموت جوعا؟ وإن متّم فتصبحون كالمرحوم... وهل نسيتم قول رب المجد أريد رحمة لا ذبيحة