كلمة آل الفقيد التي ألقتها السيدة نهى درغلّي عبد اللطيف

 

اين تهاجر أيُّها السنونو؟ اين تمضي ايها العندليب؟ أهوَ الشتاءُ الذي لا يتناسبُ مع ما تهواه العنادل؟ أين تمضي أيُّها الطائر و تتركنا نعاني من صقيعِ الأحزان وزمهريرِ الالم؟ اين تتركنا يا شاعرَ القوم وتضعُنا في اكثرِ المواقفِ حرجاً وصعوبة؟ موقفٌ يحتاجُ مثلك من أدباء العرب؟ ماذا ستفعلُ ساقيةٌ من محيطِكَ و شجيرةٌ من خميلتك و ابياتٌ متواضعةٌ من ديوانِ شعرِك الخالد؟ بماذا ارثيك وانا مكسورةَ الجناحين، وقد تقطّعتْ اوتاري وجفَّ المدادُ في قلمي..ماذا اقول، وكيف سأتحدثُ باختصارٍ عن رجلٍ طالَ الحديثُ عنه، ومن اين ابدا؟ هل بالحديث عن الرجلِ الذى احتلَّ مرتبةً مرموقةً في فيروزة وضواحيها فكان من اكثرِ الرجالِ شاناً و حكمةً ووقاراً إنْ لم يكنْ الاكثرَهم على الاطلاق؟ ام بالحديثِ عن مدير المدرسة الذي ارى أنَّ معظمَ الحاضرين هنا إمَّا كانوا طلاباً او آباءً أو أبناءً لطلابٍ في ثانويةِ فيروزة عندما كان الاستاذ عبدالكريم الحصري مديرا لها وكانت في عصرِها الذهبي وفي أوجِ ازدهارِها، أم أتحدَّثُ عن الزوجِ المحبِّ الوفي الذي احتفل منذ سنتين تماما مع الاهل والاصدقاء بمرور نصف قرن على زواجه محققاً حُلماً يحلمُ به كلُّ زوجين متحابين ينعم الله عليهما بطولِ العمر. كانَ يقدِّمُ لزوجتهِ الرعاية و الخدمة وهي في وضعٍ صحيٍ خاص لا يسمح لها بالعمل، حتى آخر أيّامِ حياته، وكان يؤكّدُ لها قائلا: اني لا اقوم بذلك لانك بحاجة الى المساعدة بل لانني احبك، فيسمع حفداؤه ذلك ويهرولون مندهشين من تغزل جدهم بجدتهم. حتى أنَّه في اخرِ عيدِ حب كتب لها زجليةً جميلة قائلاً

"مهما كبرتي و جار الدهر      بتضلي احلى من الزهر

 وبتضلي يا لولو البر              احلى من لؤلؤة البحر

ماذا ساتحدث عن الاب الذي اوصل عائلته إلى برِّ الامان وربَّاهم تربيةً صالحة وكان الأبَ الصارمَ المحترمَ الذي تُسمع كلمتُه بلا جدل. الجد الذي كان يلملم حفداءه حوله، يمازحهم ويراقصهم محتملا شغبَهم، فصار أولادُه يتساءلون " لماذا كنا نخافه اذا كان هو بكلِّ هذا اللطف و الصبر؟" و هم يدركون طبعا بأنَّ معاملة الجدِّ لحفدائِه تختلف عن معاملةِ الأب لابنائه. ماذا ساتحدّثُ عن الاخ الذي تعامل مع اخوته بتعاون واحترام حتى انه كان صديقا عزيزا على كلِّ ازواج اخواته وكان الجميع يكنُّ له احتراما شديداً. وكان كذلك باالنسبةلإخوةِ و أخواتِ زوجته فلم يكن مجردّ صهر، بل كان صديقا عزيزا على الجميع تربطه معهم علاقة طيبة. ماذا اقول عن الخال و العم الذي كان وساما على صدورنا نعتز به و نفتخر، ماذا اقول انا بالذات عن الخال الحبيب الذي تعلقت به منذ طفولتي واتخذته مثلا اعلى، وبسبب تعلقى الشديد به رحتُ أحاولُ فاشلةً ان اخطو خطاه في مجال الشعر و الادب، بل ربما هو اعطاني هذه الموهبة وراثيا على طبقٍ من ذهب ولكني انا لم اصقلها و انميها بسبب ظروف الغربة و الحياة. ماذا سأقولُ عن الرجل الذي كان يحملُ همومَ الناس ويواجهُ الفساد و يكون على رأسِ المدفع و في الصفوفِ الامامية رافعاً كلمة الحقِّ معبراً بجرأة لا متناهية عن آراء الناس شأنه شان الطلائع و الرواد رغم كلِّ ما يواجهه هؤلاء من صعاب، فكان البلبلَ المغرِّدّ الذي لا يهمُّهُ إنْ سمعت صوتَه الصقورُ الجارحة او لفتَ انتباههَ بندقيةِ الصياد. أيُّها الاخوة: الحديث عنه يطول ويطول في وقتٍ يجبُ أنْ نختصرَ الكلام. لقد ترك الفقيدُ لنا اسماً رائعاً و ارثا ادبيايجب ان نحافظ عليه و نعمل على طباعته و نشره. لقد ترك لنا اسما طيِّبا و ستبقى راياتهُ البيضُ ترفُّ في سماءِ فيروزة،  لقدسطَّر اسمَهُ بخطوطٍ من ذهب في تاريخها المشرق، فكان خسارةً للجميع لن تُعوض. أيُّها الاحبة : نشكرُ هذا الحب الذي غمرتمونا به، نشكر تلك الحشود التي ذهبت الى المسشفى و التي ادهشتِ الأطباءَ والممرضين الذين حاولوا أكثرَ مما يسمح لهم التقدمُ العلمي بأنْ يعيدوه الى محبيه، نشكر ذلك الكم من المحبين الذين كانوا يتصلون من كلِّ مكان للاستفسار عن الوضع الصحي. واني بإسم آل الفقيد: زوجته ام غسان، اولاده غسان و حسان و بناته الهام، سهام، هيام، لميس، ونهى و عائلات الجميع. باسم اخوته نعيم وانطوان واخواته شمسي، ميليا، جميلة، عليا، رضوة و مريم و عائلاتهم. باسم جميع ال الفقيد من حصري و البرفي كلِّ مكان، بإسم المدرسة و المدرسين اشكرُ حبَّكم، أشكرُ تعازيكم أشكرُ وقفتكم الصامدة معنا. ونشكركم على حضوركم مراسيم التشييع هذه. جعلها الله خاتمة الأحزان، للفقيد الرحمة و لكم طول البقاء